فصل: رسم فيمَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ غَيْرَهُ فيصِيبُ بِهِ الْعَيْبَ فيصَالِحُ الْبَائِعُ مَنْ عَيْبِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في عُهْدَةِ بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ قَدْ فَلِسَهُ السُّلْطَانُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا عَلَى مَنْ يَرُدُّهُ أَعَلَى السُّلْطَانِ أَمْ عَلَى الَّذِي فَلِسَ أَمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ فَلِّسُوهُ؟
قَالَ: بَلَغَنِي مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَرُدُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّهُ إنَّمَا بِيعَ لَهُمْ وَهُمْ أَخَذُوا الْمَالَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَكِنِّي قُلْت لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ إذَا فَلِسَ فَجَمَعُوا مَتَاعَهُ وَبَاعَ السُّلْطَانُ لَهُمْ مَالَهُ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لِي: قَدْ بَرِئَ الْغَرِيمُ مِنْهُ وَمُصِيبَتُهُ مِنْ أَهْلِ الدَّيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ فَرَدَّ الْغُرَمَاءُ عِتْقَهُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا قَبْلَ أَنْ يُبَاعُوا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ عَلَيْهِ رَأَيْت أَنْ يُعْتَقُوا وَيَكُونُ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ فيمَا أَفَادَ؟
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَلَوْ بَاعَهُمْ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَنْفُذْ السُّلْطَانُ بَيْعَ الرَّقِيقِ حَتَّى أَفَادَ الرَّجُلُ مَالًا قَالَ: أَرَى أَنْ يُعْتَقُوا وَيُعْطَى الْغُرَمَاءُ الْمَالَ مِمَّا أَفَادَ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ في رَقِيقِ الْمُعْتِقِ جَارِيَةٌ حِينَ أَعْتَقَ فَرَدَّ الْغُرَمَاءُ عِتْقَهُ وَتَرَكُوهَا في يَدَيْهِ مَوْقُوفَةً لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ حَتَّى تُبَاعَ في دَيْنِهِ أَوْ تُعْتَقَ إنْ أَفَادَ مَالًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَاهَا مِنْ بَعْدِ مَا بَاعَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَهَا أَيَطَؤُهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ: مَا مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ سُرِقَ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ هَلَكَ مِنْ الْحَيَوَانِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَا جَمَعَهُ السُّلْطَانُ فَهُوَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ فَإِذَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ وَصَارَ ثَمَنًا فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الَّذِينَ لَهُمْ الدَّيْنُ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ:
فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَلِسَ وَبِيَدِهِ جَارِيَةٌ فَوَقَفَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا الَّذِي بَاعَهَا لِيَأْخُذَهَا وَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَدْفَعُوهَا إلَيْهِ وَقَالُوا: نَحْنُ نُعْطِيك ثَمَنَهَا فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنُوهُ لَهُ ثُمَّ أَخَذُوا الْجَارِيَةَ لِيَبِيعُوهَا فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوهَا مِمَّنْ تَرَى مُصِيبَتَهَا عَلَى الْغَرِيمِ أَمْ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ الدَّيْنُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى الْمُصِيبَةَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: لِمَ، وَلَوْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الَّذِي بَاعَهَا بَرِئَ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِهَا شَيْءٌ لَوْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الَّذِي بَاعَهَا وَإِنَّمَا أَخَذَهَا الْغُرَمَاءُ مِنْهُ لِفَضْلٍ يَرْجُونَهُ فيهَا وَهُوَ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ في الْجَارِيَةِ فَضْلٌ قَضَى بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَيْسَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ دَيْنِهِ وَيَقُولُ: إمَّا أَبْرَأْتُمُونِي مِمَّا يَأْخُذُ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ وَإِمَّا دَفَعْتُمُوهَا إلَيْهِ.
قَالَ: لَا قَوْلَ لَهُ في ذَلِكَ، وَالْغُرَمَاءُ عَلَيَّ بِالْخِيَارِ في ذَلِكَ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يَأْخُذُوا أَخَذُوا، وَالنَّمَاءُ لَهُ إنْ كَانَ في ذَلِكَ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ فيهَا نُقْصَانٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مَوْتٌ أُتْبِعَ بِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ في أَنْ يَقُولَ: هَذَا يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ:

.في عُهْدَةِ بَيْعِ الْمَأْمُورِ بِبَيْعِ السِّلْعَةِ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ:

قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَقَالَ حِينَ بَاعَهَا: إنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي أَنْ أَبِيعَ لَهُ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَأَدْرَكَ السِّلْعَةَ تِبَاعَةً؟
قَالَ: إنْ كَانَ حِينَ بَاعَهَا قَالَ: إنَّمَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ فَلَا أَرَى عَلَى الْمَأْمُورِ شَيْئًا وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ.
قَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ في الْمُزَايَدَةِ أَوْ الرَّجُلُ يَعْرِفُ أَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ لِلنَّاسِ بِجُعْلٍ أَوْ رَجُلٌ يَبِيعُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا فَوَجَدَ بِهَا الْمُبْتَاعُ عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى مَنْ يَرُدُّهَا وَمَنْ يَسْتَحْلِفُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْوَكِيلُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا الْآمِرِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْلِمْهُ حَلَفَ الْوَكِيلُ وَإِلَّا رَدَّ السِّلْعَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَرَأَيْتَ مَا يَسْتَأْجِرُ النَّاسُ مِنْ النَّخَّاسِينَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ لَهُمْ الرَّقِيقَ وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ الْجُعْلَ عَلَى مَا يَبِيعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَاَلَّذِينَ يَبِيعُونَ الْمَوَارِيثَ وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ لِلنَّاسِ يُجْعَلُ لَهُمْ في ذَلِكَ الْجَعْلُ فيبِيعُونَ، وَاَلَّذِي يَبِيعُ فيمَنْ يَزِيدُ في غَيْرِ مِيرَاثٍ أَيُسْتَأْجَرُ عَلَى الصِّيَاحِ فيوجَدُ مَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَسْرُوقٌ أَوْ خَرْقٌ أَوْ عَيْبٌ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ضَمَانٌ وَإِنَّمَا هُمْ أُجَرَاءُ أَجَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى أَرْبَابِ السِّلَعِ فَلْيَتَّبِعُوهُمْ، فَإِنْ وَجَدُوا أَرْبَابَهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ تِبَاعَةٌ فيمَا بَاعُوا.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَبَاعَ فَأَخَذَ جُعْلَهُ ثُمَّ رَدَّ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ وُجِدَ بِالسِّلْعَةِ فَأَرَادَ رَبُّ السِّلْعَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي بَاعَ بِالْجُعْلِ وَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ: قَدْ بِعْتُ لَكَ مَتَاعَكَ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَرُدَّ الْجُعْلَ، وَلَا جُعْلَ لَهُ إذَا لَمْ يُنَفِّذْ الْبَيْعَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ بَاعَهَا الثَّانِيَةَ فَرُدَّتْ أَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلَهَا أَيْضًا اسْتِنْكَارًا لِذَلِكَ.

.الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِرَجُلٍ أَمَرَهُ بِاشْتِرَائِهَا فيعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا لِفُلَانٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اشْتَرَيْت سِلْعَةً مَنْ رَجُلٍ لِفُلَانٍ فَأَخْبَرَتْهُ أَنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِفُلَانٍ وَلَسْت أَشْتَرِيهَا لِنَفْسِي فَاشْتَرَيْتُهَا بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ أَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتْبَعَ هَذَا الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ أَمْ يَتْبَعَ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ أَوْ مَنْ يُتْبِعُ بِالثَّمَنِ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُشْتَرِي قَالَ لِلْبَائِعِ: إنِّي إنَّمَا أَشْتَرِي مِنْكَ لِلَّذِي أَمَرَنِي وَلَا أَنْقُدُكَ إنَّمَا الثَّمَنُ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَأَرَى الثَّمَنَ عَلَى هَذَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ فَالنَّقْدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: النَّقْدُ عَلَى الَّذِي أَشْتَرِي لَهُ وَلَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ، فَهَذَا لَا يَتْبَعُهُ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ وَيَكُونُ النَّقْدُ لِلْبَائِعِ عَلَى الَّذِي أَمَرَ هَذَا بِالشِّرَاءِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: هُوَ قَوْلُهُ.
قلت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتَامَى أَوْ بَاعَ مَالَ رَجُلٍ مُفْلِسٍ في دَيْنٍ أَوْ بَاعَ مَالَ الْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ غُيَّبٌ عَلَى مَنْ الْعُهْدَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْوَصِيِّ: أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فَعَلَى مَنْ عُهْدَةُ الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ؟
قَالَ: في مَالِ الْيَتَامَى.
قُلْت: فَإِنْ ضَاعَ الثَّمَنُ وَضَاعَ مَالُ الْيَتَامَى وَلَا مَالَ لِلْيَتَامَى غَيْرُ ذَلِكَ فَاسْتَحَقَّتْ السِّلَعَ الَّتِي بَاعَ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ السُّلْطَانُ عَلَى الْمُفْلِسِ رَقِيقَهُ ثُمَّ أَصَابَ بِهِمْ الْمُشْتَرِي عَيْبًا أَوْ هَلَكُوا في أَيَّامِ الْعُهْدَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَأَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في بَيْعِ الْبَرَاءَةِ إنْ مَاتَ في الْعُهْدَةِ أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبَيْعُ السُّلْطَانُ لَا عُهْدَةَ فيهِ أَيْضًا مِثْلُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَ بِهِمْ الْمُشْتَرِي عَيْبًا قَدِيمًا كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ لَا يَرُدُّهُمْ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ وَذَكَرَ بَيْعَ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ في بَيْعِ السُّلْطَانِ أَنْ يُفْلِسَ الرَّجُلُ أَوْ يَمُوتَ فيقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَيَقْسِمُهُ غُرَمَاؤُهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَلَى هَذَا، وَهَذَا قُوَّةٌ لِمَا كَانَ يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ السُّلْطَانُ عَلَى هَذَا الْمُفْلِسِ عَبْدَهُ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَهُ وَاقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ ثُمَّ أَصَابَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدِيمًا فَقَالَ رَبُّ الْعَبْدِ: قَدْ كَانَ هَذَا الْعَيْبُ بِهِ قَدِيمًا وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَيْبَ قَدِيمٌ لَيْسَ مِمَّا يَحْدُثُ.
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في بَيْعِ السُّلْطَانِ: أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَبَيْعُ الْبَرَاءَةِ لَا يُرَدُّ إلَّا مِمَّا عَلِمَ الْبَائِعُ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ، فَأَرَى هَذَا في مَسْأَلَتِكَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَدِيمًا قَدْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ عَلِمَهُ رَدَّهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَبِيعَ الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ ثَانِيَةً في دَيْنِهِمْ بِعَيْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فيهِ نُقْصَانٌ عَنْ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ اتَّبَعُوهُ بِمَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ دَيْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُفَلِّسِ مَالٌ يَوْمَ يُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَيْهِ بِعَيْبِهِ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَتْبَعْ الْغُرَمَاءَ بِشَيْءٍ وَكَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ حِينَ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَدَّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ عَيْبٌ مُفْسِدٌ وَلِسَيِّدِهِ مَالٌ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ، فَإِنْ احْتَبَسَهُ وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ كَانَ حُرًّا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَالٌ يَوْمَ يَرُدُّهُ، فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ لَا مَالَ لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا يُعْتَقُ وَيُبَاعُ ثَانِيَةً لِلْغُرَمَاءِ قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: بَيْعُ الْمِيرَاثِ مِثْلُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ يَبْرَءُونَ لَهُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوا، وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَالَ: بَيْعُ السُّلْطَانِ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ، وَمِنْ بَيْعِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ سَمِعْتُ أَنَا رُجُوعَهُ عَنْ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَبَيْعِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ تَبَرَّءُوا مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ عَيْبًا قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ التَّافِهَ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ في بَيْعِ الْبَرَاءَةِ إنَّهُمْ يَبْرَءُونَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوا أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ آخُذُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ هُوَ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ في الرَّقِيقِ، وَإِنَّمَا الْبَرَاءَةُ فيهِمْ وَلَيْسَ في الْحَيَوَانِ وَثَبَتَ مَالِكٌ عَلَى بَيْعِ السُّلْطَانِ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَقَالَ: إنَّمَا كَانَتْ فيهِ الْبَرَاءَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ في شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَلَا في الدَّوَابِّ بَيْعُ بَرَاءَةٍ في مِيرَاثٍ وَلَا في غَيْرِهِ، وَلَا في بَيْعِ السُّلْطَانِ وَلَيْسَ الْبَرَاءَةُ إلَّا في الرَّقِيقِ وَحْدَهُمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: بَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ في بَيْعِ الْمَوَارِيثِ أَهْلُهَا بَرَاءٌ مِمَّا كَانَ فيهَا لِتَفْرِيقِ ذَلِكَ وَتَشْتِيتِهِ وَكَيْفَ يَغْرَمُ وَلِيٌّ وَقَدْ تَفَرَّقَ مَا وُلِّيَ، أَمْ كَيْفَ يَغْرَمُ وَارِثٌ وَقَدْ انْطَلَقَ بِاَلَّذِي لَهُ فَهُمْ بُرَآءُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْبَرَاءَةَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ في الرَّجُلِ: يَلِي لِلْغَائِبِ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عُهْدَةٌ في شَيْءٍ ثُمَّ يَبِيعُ الشَّيْءَ، فَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَمَنْ ذَلِكَ مَا وَلِيَ مِنْ وُجُوهِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَرُدُّ لِتَفَاوُتِ ثَمَنِ ذَلِكَ في تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فيكُونُ عَلَيْهِ التِّبَاعَةُ، فَلِذَلِكَ كَانَ مَا كَانَ مِنْ بَيْعِ الْمِيرَاثِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ لِمَا يَكُونُ في ذَلِكَ مِنْ الْوَصَايَا وَتَفْرِيقِ الْمَوَارِيثِ، فَمَنْ بَاعَ عَلَى ذَلِكَ مُتَبَرِّئًا لَا يَعْلَمُ شَيْئًا فَلَا تِبَاعَةَ عَلَيْهِ في عُهْدَةٍ قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا.
قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في بَيْعِ الْمِيرَاثِ: إنَّهُ لَا تِبَاعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ وَلَا عُهْدَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَنَّهُمْ قَدْ بَاعُوا وَعَلِمُوا بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَعْلَمُ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ عُهْدَةَ السَّنَةِ في الرَّقِيقِ وَلَا عُهْدَةَ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا بَيْعُهُمْ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ.

.مَا جَاءَ في عُهْدَةِ السَّنَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ عُهْدَةَ السَّنَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ في قَوْلِ مَالِكٍ فَقَطْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا غَيْرُهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْوَسْوَسَةَ؟
قَالَ: إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ فَأَطْبَقَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُونِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ إنَّمَا أَصَابَهُ مِنْ الْجُنُونِ في هَذِهِ السَّنَةِ إنَّمَا يَخْنُقُ رَأْسَ كُلِّ هِلَالٍ؟
قَالَ: يَرُدُّهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ وَسْوَسَةُ رَأْسِ كُلِّ هِلَالٍ؟
قَالَ: يَرُدُّهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ الْجُنُونُ رَأْسَ شَهْرٍ وَاحِدٍ في السَّنَةِ وَمَضَى ذَلِكَ الشَّهْرُ فَصَحَّ أَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ عَيْبٌ لَازِمٌ وَأَمْرٌ يَعْتَرِي الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لَيْسَ بُرْؤُهُ أَمْرًا يَعْرِفُهُ النَّاسُ ظَاهِرًا؛ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا جُنَّ عَبْدٌ لَهُ ثُمَّ بَرَأَ وَصَحَّ فَبَاعَهُ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الْجُنُونُ أَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ هَذَا لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ الْجُذَامُ أَوْ الْبَرَصُ في السَّنَةِ ثُمَّ بَرَأَ وَصَحَّ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي وَيَعْلَمُ بِهِ الْمُشْتَرِي أَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَيْبًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مَا يُخَافُ عَوْدَتُهُ وَيُخَافُ مِنْهُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ في الْجُنُونِ قَالَ: وَالْبَرَصُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ بَهَقٌ أَوْ حُمْرَةٌ أَوْ جَرَبٌ حَتَّى تَسَلَّخَ مِنْهُ وَتَوَرَّمَ في السَّنَةِ لَا يَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ في السَّنَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ رَجُلٌ فَضَرَبَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَرُدَّهُ في السَّنَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهِ وَلَا أَرَى هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجُنُونِ، وَأَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي.
قُلْت: فَإِنْ خَرِسَ في السَّنَةِ فَأَصَابَهُ صَمَمٌ أَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجُنُونِ في السَّنَةِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ عَقْلُهُ مَعَهُ، وَإِنْ خَرِسَ وَأَصَابَهُ صَمَمٌ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَقْلَهُ قَدْ ذَهَبَ مَعَ ذَلِكَ فيكُونُ مِنْ الْبَائِعِ.
قَالَ سَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولَانِ في خُطْبَتِهِمَا: الْعُهْدَةُ ثَابِتَةٌ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَعُهْدَةُ السَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ في الْعُهْدَةِ: في كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ نَحْوُ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ سَنَةٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكَنَا يَقْضُونَ في الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَمْ تَزَلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ في الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ في الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ إنْ ظَهَرَ بِالْمَمْلُوكِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ رَدٌّ إلَى الْبَائِعِ وَيَقْضُونَ في عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، فَإِنْ حَدَثَ بِالرَّأْسِ في تِلْكَ الثَّلَاثِ لَيَالٍ حَدَثٌ مِنْ سَقَمٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الْعُهْدَةِ في الرَّقِيقِ ثَلَاثَةٌ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْقُدُ في تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ سَنَةٌ، وَالنَّقْدُ فيهَا جَائِزٌ، وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الرَّقِيقِ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ حَدَثَ في الرَّأْسِ شَيْءٌ في تِلْكَ الثَّلَاثِ لَيَالٍ حَدَثٌ مِنْ سَقَمٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ الصُّلْحِ:

.رسم فيمَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ غَيْرَهُ فيصِيبُ بِهِ الْعَيْبَ فيصَالِحُ الْبَائِعُ مَنْ عَيْبِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَأَصَبْتُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا وَالْعَبْدُ لَمْ يَفُتْ فَصَالَحَنِي الْبَائِعُ مِنْ الْعَيْبِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيَّ مِائَةَ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ، إنَّمَا هُوَ ذَهَبٌ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ رَضِيَا بِإِمْضَاءِ الشِّرَاءِ، فَلَمَّا فَسَخَا قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْ الذَّهَبِ في دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ كَانَ ذَلِكَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ إلَى أَجَلٍ.
قُلْت: فَإِنْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ مَنْ الْعَيْبِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا وَقَدْ كَانَ شِرَاءُ الْعَبْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَرْجَعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ وَأَمْضَى الْعَبْدَ تِسْعِينَ دِينَارًا، وَإِنْ رَدَّ إلَيْهِ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ فيهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الدَّنَانِيرُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ في الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ دَنَانِيرَهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ.
قُلْت: فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ في قِيمَةِ الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ؟
قَالَ: نَعَمْ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ فَاتَ وَبِهِ عَيْبٌ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ دَارِهِمْ نَقْدًا أَوْ عُرُوضًا نَقْدًا؟
قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ صَالَحَهُ بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَدْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ فَلَا خَيْرَ فيهِ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ أَوْ عُرُوضًا إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ فيهِ، وَوَجْهُ مَا كُرِهَ مِنْ الدَّنَانِيرِ إذَا كَانَتْ إلَى أَجَلٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَنَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ قَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ رَدُّهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْبَائِعِ فَأَخَّرَهُ بِالدَّيْنِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ صَارَ صَرْفًا لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ فَفُسِخَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الذَّهَبِ في فِضَّةٍ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ عَرَضًا إلَى أَجَلٍ صَارَ دَيْنًا بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ يَفْسَخْ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الذَّهَبِ الَّتِي صَارَتْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ لِمَكَانِ الْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ لَهُ فَأَخَّرَ ذَهَبَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْصَلَهُ إلَيْهِ فَفَسَخَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي في عَرَضٍ إلَى أَجَلٍ فَصَارَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، «وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ».

.(رسم في الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّوْقَ فيجِدُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فيصَالِحُهُ):

رسم في الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّوْقَ فيجِدُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فيصَالِحُهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ زَادَهُ الْبَائِعُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بِعْتُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ فيهِ مِائَةُ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَصَابَ الْمُشْتَرِي بِالطَّوْقِ عَيْبًا فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ عَلَى دِينَارٍ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا بَاعَ طَوْقًا فيهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَدِينَارٌ مَعَ الطَّوْقِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَقْدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّمَا اشْتَرَيْتَ الْعَيْبَ مِنْهُ بِدِينَارٍ.
قُلْت: فَإِنْ صَالَحْتُهُ لِمَكَانِ الْعَيْبِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ دَفَعْتُهَا إلَيْهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ الدِّرْهَمِ الَّتِي دَفَعْتَهَا إلَيْهِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الْأَلْفِ الَّتِي اُنْتُقِدَتْ في ثَمَنِ الطَّوْقِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِنْ سِكَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ سِكَّتِهَا لَمْ يَصْلُحْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الطَّوْقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُحَمَّدِيَّةٍ فَصَالَحَهُ مِنْ الْعَيْبِ عَلَى مِائَةٍ يَزِيدِيَّةٍ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ طَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ يَزِيدِيَّةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُحَمَّدِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى تِبْرِ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا صَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ فَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ رَدَّ إلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي أَخَذَهَا مِائَةً فَإِنَّمَا صَارَ ثَمَنُ الطَّوْقِ تِسْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ صَالَحَهُ مَنْ الْعَيْبِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مُحَمَّدِيَّةٍ مِثْلِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي اُنْتُقِدَ في الطَّوْقِ إلَى أَجَلٍ أَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا وَسَلَفًا إذَا أَخَّرَهُ بِالْمِائَةِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ رَجُلٌ بَاعَ الطَّوْقَ بِتِسْعِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أَسْلَفَهُ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ رسم.

.في مُصَالَحَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مُوَرَّثِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْوَرَثَةُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا - دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ - وَعُرُوضًا وَأَرْضًا وَتَرَكَ مِنْ الْوَرَثَةِ امْرَأَةً وَأَوْلَادًا فَصَالَحَ الْوَرَثَةُ الْمَرْأَةَ مَنْ حَقِّهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَجَّلُوهَا لِلْمَرْأَةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يُعْطُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَرَكَ الْمَيِّتُ وَهِيَ قَدْرُ مِيرَاثِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَقَلُّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَلَا خَيْرَ فيهِ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَذَهَبًا بِدَرَاهِمَ تَتَعَجَّلُهَا فَلَا خَيْرَ فيهِ وَهُوَ حَرَامٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانُوا صَالَحُوهَا عَلَى أَنْ يُعْطُوهَا الْمِائَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لَهُمْ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَقَدْ تَرَكَ الْمَيِّتُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَعُرُوضًا وَأَرْضًا؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَا بِالدَّنَانِيرِ وَلَا بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ اشْتَرَوْا ذَلِكَ مِنْهَا بِالْعُرُوضِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَعْرِفَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ دَيْنٍ حَاضِرٍ، فَإِنْ اشْتَرَوْا حَقَّهَا مِنْهَا بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُسَمُّوا مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فيقَالُ: تَرَكَ مِنْ الْعَبِيدِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ الدُّورِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ الدَّيْنِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ حَاضِرٌ فَلِفُلَانَةَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الثُّمُنُ، فَقَدْ اشْتَرَيْنَا جَمِيعَ ثُمُنِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَمَّيْنَا بِهَذَا الْعَرَضِ فيجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ كُلُّ مَا سَمَّوْا مِنْ عَرَضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ دَيْنٍ حَاضِرًا.
قُلْت: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَصِفُوا جَمِيعَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ عِنْدَ شِرَائِهِمْ ثُمْنَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا: اشْتَرَيْنَا مِنْهَا ثُمُنَهَا مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ فُلَانٌ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمُّوا مَا تَرَكَ لَهَا فُلَانٌ أَوْ يَكُونُوا قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ وَعَرَفْتُهُ.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَوْهُ بِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا لَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَفي مِيرَاثِهَا مَنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ دَرَاهِمُ يَصِيرُ حَظُّهَا مَنْ الدَّرَاهِمِ صِرْفًا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ تَافِهًا يَسِيرًا لَا يَكُونُ صِرْفًا مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ غَائِبٌ، وَإِنْ كَانَ في حَظِّهَا دَنَانِيرُ فَاشْتَرَوْا ذَلِكَ مِنْهَا بِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا فَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَهَبًا بِذَهَبٍ مَعَ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ.
وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ فيمَا تَرَكَ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، دَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ، فَاشْتَرَوْا حَظَّهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا مَنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَوْا مِنْهَا دَيْنًا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَبِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ طَعَامًا قَرْضًا أَقَرَضَهُ الْمَيِّتُ النَّاسَ أَوْ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا فَاشْتَرَوْا ذَلِكَ مِنْهَا وَسَمَّوْهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ بِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا لَهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الدَّيْنُ حُضُورًا مُقِرِّينَ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي لِلْمَيِّتِ عَلَى النَّاسِ إنَّمَا هُوَ مَنْ اشْتِرَاءٍ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهَا مِنْ مِيرَاثِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ذَلِكَ الطَّعَامُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ صَالَحُوهَا مِنْ حَقِّهَا عَلَى دَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَرَكَ الْمَيِّتُ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَلَمْ يَتْرُكْ دَيْنًا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً وَكَانَ ذَلِكَ يُقْبَضُ يَدًا بِيَدٍ.
قُلْت: فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى دَنَانِيرَ أَعْطَوْهَا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ذَلِكَ الدَّيْنُ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ الَّتِي اشْتَرَوْهَا مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ مُوَرِّثِهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ بِدَنَانِيرَ عَجَّلُوهَا لَهَا مِنْ حَقِّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَتْ مِنْ الدَّنَانِيرِ مِثْلَ مُوَرَّثِهَا مِنْ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ الْحَاضِرَةِ، فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَرَكَتْ لَهُمْ حَقَّهَا مِنْ الدَّيْنِ وَأَخَذَتْ حَقَّهَا مِنْ هَذِهِ الْحَاضِرَةِ، فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ الدَّنَانِيرِ ثَمَانِينَ حَاضِرَةً وَعُرُوضًا وَدُيُونًا عَلَى النَّاسِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهَا فَصَالَحُوا الْمَرْأَةَ مِنْ ثَمَنِهَا عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ الثَّمَانِينَ الدِّينَارِ الَّتِي تَرَكَ الْمَيِّتُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَخَذَتْ حَقَّهَا مِنْ الثَّمَانِينَ وَوَهَبَتْ لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
وَلَوْ كَانُوا إنَّمَا يُعْطُونَهَا الدَّنَانِيرَ الْعَشَرَةَ الَّتِي صَالَحُوهَا عَلَيْهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَيْسَ مِمَّا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَدَخَلَهُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَوْا بِدَنَانِيرِهِمْ هَذِهِ دَيْنًا دَنَانِيرَ وَبَاعَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ أَيْضًا طَعَامًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفي فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ.
وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَرِيكَيْنِ كَانَا يَعْمَلَانِ في حَانُوتٍ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنْ أَعْطَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَفي الْحَانُوتِ شَرِكَةُ مَتَاعٍ لَهُمَا دَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ وَفُلُوسٌ كَانَتْ في الْحَانُوتِ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ، وَنَهَى عَنْهُ رسم في الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى شَهْرٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مُقِرًّا.
قُلْت: فَإِنْ صَالَحْتُهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دِينَارٍ إلَى شَهْرٍ أَيَجُوزُ هَذَا أَوْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مُقِرًّا بِمَا عَلَيْهِ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ يَفْسَخُ دَيْنًا في دَيْنِ وَأَمَّا إذَا صَالَحَهُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى أَجَلٍ فَهَذَا رَجُلٌ حَطَّ خَمْسِينَ دِرْهَمًا مِنْ حَقِّهِ وَأَخَّرَهُ بِخَمْسِينَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي قِبَلَهُ يُنْكِرُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؟ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ في الْإِنْكَارِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ مِثْلُ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِي إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدَّعِي الْحَقَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمِائَةِ عُرُوضًا إلَى أَجَلٍ أَوْ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَدَّعِي حَقٌّ، فَلَا يَصْلُحُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَفْسَخَ دَرَاهِمَ في عُرُوضٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَدَّعِي بَاطِلًا فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ وَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هَمَّامٍ وَعُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ».
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا.

.رسم في مُصَالَحَةِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ مَالِ الْمَيِّتِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ خُلْطَةٌ فَادَّعَى وَلَدُ الْهَالِكِ أَنَّ لِأَبِيهِمْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِمْ خُلْطَةٌ مَالًا فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمْ عَلَى حَقِّهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمْ مِنْ دَعْوَاهُ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ عَلَى إنْكَارٍ مِنْ الَّذِي يَدَّعِي قِبَلَهُ أَوْ عَلَى إقْرَارٍ أَيَكُونُ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ في الَّذِي أَخَذَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: كُلُّ ذِكْرِ حَقٍّ كَانَ لِقَوْمٍ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ فَاقْتَضَى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّ شُرَكَاءَهُمْ يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ فيمَا اقْتَضَوْا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ حَقٍّ عَلَى حِدَةٍ وَكَانَتْ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ مَنْ اقْتَضَى شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ الْآخَرُ في شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلَيْنِ ذِكْرُ حَقٍّ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ مِنْ بَيْعٍ بَاعَاهُ بِعَيْنٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ هَذَا الذِّكْرَ الْحَقَّ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟
قَالَ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَائِبًا فَسَأَلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ في الدَّيْنِ صَاحِبَهُ في الْخُرُوجِ مَعَهُ لِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ وَأَخْذِهِ مِنْ الْغَرِيمِ فَأَبَى ذَلِكَ وَكَرِهَ الْخُرُوجَ، فَإِنْ خَرَجَ الشَّرِيكُ بَعْدَ الْإِعْذَارِ فيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَهُ فَاقْتَضَى حَقَّهُ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ شَرِيكُهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْخُرُوجَ وَالِاقْتِضَاءَ وَالتَّوْكِيلَ بِالِاقْتِضَاءِ إضْرَارٌ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ وَحَوْلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» لِمَا يَتَجَشَّمُ صَاحِبُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ، فيرِيدُ الْمُقِيمُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْخَارِجُ شَيْئًا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَهُوَ لَمْ يَبْرَحْ وَلَمْ يَتَجَشَّمْ خُرُوجًا وَلَا مُؤْنَةً وَقَدْ أَعْذَرَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ في الْخُرُوجِ لِاغْتِنَامِ الِاقْتِضَاءِ دُونَهُ فَهُوَ إذَا أَعْذَرَ إلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ بِالْخُرُوجِ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ مَعَهُ رِضًا مِنْهُ بِمَا يَقْبِضُ دُونَهُ؛ أَوْ لَا تَرَى لَوْ أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ لَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْخُرُوجِ أَوْ التَّوْكِيلِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا خَلَّى السُّلْطَانُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ اقْتِضَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فيمَا اقْتَضَى، وَإِنْ خَرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِاقْتِضَاءِ حَقِّهِ دُونَ مُؤَامَرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَالْإِعْذَارِ إلَيْهِ أَوْ كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا فَاقْتَضَى مِنْهُ جَمِيعَ مُصَابَتِهِ أَوْ بَعْضِهَا كَانَ شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ شَرَكَهُ فيمَا اقْتَضَى وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ لَهُ مَا اقْتَضَى وَاتِّبَاعَ الْغَرِيمِ، فَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْغَرِيمِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدُ أَنْ يَتْبَعَ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ مَا سَلَّمَ - تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ أَوْ لَمْ يَتْوِ - لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَاسَمَةٌ لِلدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَاقْتَسَمَا مَا عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ وَصَارَ ذَلِكَ كَالدَّيْنِ يَكُونُ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَكٌّ عَلَى حِدَةٍ.
فَمَنْ اقْتَضَى مِنْ هَذَيْنِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبَهُ لَمْ يَكُنْ يُشْرِكُهُ صَاحِبُهُ فيمَا اقْتَضَى لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا ذِكْرُ حَقٍّ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ فَهُمَا شَرِيكَانِ في الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْغَرِيمِ وَهُوَ حَاضِرٌ لَيْسَ بِغَائِبٍ، أَوْ كَانَ الْغَرِيمُ غَائِبًا وَلَمْ يَعْذُرْ إلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْخُرُوجِ عَلَى اقْتِضَاءِ حَقِّهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُمَا مِائَةَ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا بَقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ وَفيهِمَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَسْلَمَ لِشَرِيكِهِ مَا اقْتَضَى وَاتَّبَعَ الْغَرِيمَ بِالْخَمْسِينَ دِينَارًا حَقَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا في يَدَيْهِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَرَجَعَا جَمِيعًا عَلَى الْغَرِيمِ فَاتَّبَعَهُ الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَاتَّبَعَهُ الَّذِي صَالَحَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ مِنْهُ شَرِيكُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ شَرِيكَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَبِعَ الْغَرِيمَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ تَبِعَ شَرِيكَهُ الْمُصَالِحَ، وَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ شَرِيكِهِ قُسِمَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي صَالَحَ بِهَا الشَّرِيكُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِي صَالَحَ وَخَمْسَةُ أَجْزَاءٍ لِلَّذِي لَمْ يُصَالِحْ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمَّا أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي أَخَّرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْعَشَرَةُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَخَذَ وَلِصَاحِبِهِ خَمْسُونَ دِينَارًا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فيتَّبِعُهُ الْمُصَالِحُ بِالْعَشَرَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعَشَرَةِ وَيَتَّبِعُهُ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ بِمَا بَقِيَ لَهُ، وَهُوَ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ قَبَضَ الْعَشَرَةَ بِغَيْرِ صُلْحٍ ثُمَّ حَطَّ الْأَرْبَعِينَ عَنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ قَامَ شَرِيكُهُ فَإِنْ اخْتَارَ مُقَاسَمَةَ شَرِيكِهِ اقْتَسَمَا عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ وَرَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ قَبَضَ الْعَشَرَةَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ مِنْ حَقِّهِ لَيْسَ عَلَى الْحَطِّ، ثُمَّ قَاسَمَهُ شَرِيكُهُ الْعَشَرَةَ الَّذِي اقْتَضَى هُوَ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّمَا يُقَاسِمُهُ إيَّاهَا شَطْرَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنْ حَطَّ الشَّرِيكُ الْمُقْتَضِي لِلْعَشَرَةِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ في الْمُقَاسَمَةِ فيقُولُ: قَاسِمْنِي عَلَى أَنَّ حَقَّكَ إنَّمَا كَانَ عَشَرَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَالْحَقُّ كَامِلٌ وَلَكِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فيرْجِعُ الْمُقْتَضِي لِلْعَشَرَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ شَرِيكُهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَخُذْ هَذَا عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا ذِكْرُ حَقٍّ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَاحِدٍ وَهُمَا شَرِيكَانِ في الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ فَصَالَحَ الْغَرِيمُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ الْغَرِيمُ غَائِبًا وَلَمْ يَعْذُرْ إلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْخُرُوجِ صَالَحَ مِنْ حَقِّهِ وَدَيْنُهُمَا مِائَةُ دِينَارٍ عَلَى عَشَرَةِ أَقْفِزَةِ قَمْحٍ أَوْ بَاعَ حَقَّهُ بِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ قَمْحٍ فَقَبَضَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ أَتَى الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ في تَسْلِيمِ مَا صَنَعَ صَاحِبُهُ وَاتِّبَاعِ الْغَرِيمِ بِحِصَّةِ الْخَمْسِينَ الدِّينَارِ أَوْ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُصَالِحِ أَوْ الْمُشْتَرِي الْقَمْحَ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَى عَيْنٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَالدَّيْنُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ، وَالدَّيْنُ لَيْسَ مِثْلَ الْعَيْنِ، الدَّيْنُ أَشْبَهُ شَيْءٍ هِيَ بِالْعُرُوضِ، فَلِذَلِكَ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ مَا أَخَذَ الشَّرِيكُ إنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: ثُمَّ يَرْجِعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْغَرِيمِ فيكُونُ مَا عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا نِصْفينِ وَإِنَّمَا لَمْ يُخَالِفْ الصُّلْحُ في هَذَا الْمَوْضِعِ الشِّرَاءَ لِأَنَّ الصُّلْحَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالشِّرَاءِ في غَيْرِ وَجْهٍ، وَهُوَ في هَذَا الْوَجْهِ مِثْلُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنًا فَصَالَحَهُ مِنْ الْمِائَةِ عَلَى سِلْعَةٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً بِالْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ فَكَذَلِكَ جَمِيعُ الدَّيْنِ إذَا كَانَ عَيْنًا فَصَالَحَ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَيَّنُوا نَوْعَ الدَّيْنِ أَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي سِوَى الْعَيْنِ وَهُوَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ أَوْ الْإِدَامِ أَوْ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مِائَةُ رِطْلٍ حِنَّاءً أَوْ مِائَةُ ثَوْبٍ شَطَوِيٍّ مَوْصُوفَةٍ مَعْرُوفَةٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى دَنَانِيرَ فَصَالَحَهُ مِنْ الْخَمْسِينَ الرِّطْلِ الْحِنَّاءَ أَوْ الْخَمْسِينَ الثَّوْبِ الشَّطَوِيِّ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَقَبَضَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ حَضَرَ شَرِيكُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْغَرِيمَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَيُسَلِّمُ لِصَاحِبِهِ مَا أَخَذَ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ - وَإِنْ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ - وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ شَرِيكَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا في يَدَيْهِ لِأَنَّ مَا في يَدَيْهِ ثَمَنُ سِلْعَةٍ هِيَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَلِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فيتْبَعَانِهِ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِمَا وَهِيَ الْخَمْسُونَ الرِّطْلِ الْحِنَّاءَ وَالْخَمْسُونَ الثَّوْبِ الشَّطَوِيِّ.
وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَنْ لَوْ بَاعَ مُصَابَتَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَالْبَيْعَ في هَذَا الْمَوْضِعِ سَوَاءٌ لِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنًا فَصَالَحَهُ مِنْ الْمِائَةِ عَلَى سِلْعَةٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً بِالْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِهَا شَيْئًا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مِمَّا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ، ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ صَالَحَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ اشْتَرَى الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الْمِائَةَ الدِّينَارِ الَّتِي عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْمُصَالَحَةِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ قَدْ تَلِفَ، فَالصُّلْحُ بَيْنَهُمَا وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لَيْسَ بِمَنْقُوضٍ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ تَلَفُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْمُصَالَحَةِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ تَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ يَوْمَا تَمَّ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ صُلْحٍ أَوْ بَيْعٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ.